محلية (خاص)
بعمر 25 عاما، أصبح تمام الشيباني، مديرا تنفيذيا لمنظمة "شباب بلا حدود"، وهي واحدة من أكثر المنظمات فاعلية في السنوات العشر الأخيرة. كما بات ضمن أول هيئة استشارية شبابية لسفارة هولندا في اليمن، وهو أيضا مدرب واستشاري في برامج الشباب والسلام والأمن، وفي عدة مجالات أخرى.
عمر تمام الشيباني لم يصل بعد إلى الثلاثين، فهو من مواليد، 25 سبتمبر/ أيلول 1994، لكنه أصبح يمتلك سيرة ذاتية مكونة من 7 صفحات، الأمر الذي يدعو للتساؤل عن أسرار تحقيق هذه النجاحات في هذه السن المبكرة، وفي مرحلة تعد هي الأسوأ على الاطلاق، حيث الحرب في اليمن مستمرة منذ 8 أعوام وأوضاع البلد على كافة الأصعدة في تدهور مستمر.
النشأة والشغف
نشأ تمام الشيباني، في "بيئة تدعم الأفكار، وتحفز الفرد على القراءة والكتابة". فهو من أسرة مثقفة، والده هو الكاتب والمثقف المعروف محمد عبدالوهاب الشيباني. يقول تمام، أن "الآراء والأفكار في المنزل كانت مسموعة"، وهذا كان يحفزه على الاطلاع وحب المعرفة. يتضح دور هذا التكوين المعرفي المبكر، في طريقة حديث تمام، الذي يأتي مرتبا وهادئا.
في المدرسة، أنخرط في الجماعات الثقافية والفنية وجماعة المكتبة، وهناك تخلق لديه شغف أكبر في أن يكون صاحب تأثير. ثم أكتشف أن المعرفة عندما تكون مصحوبة بالنشاط، تولد شيئا أسمه القيادة، وهو مجال آخر سوف يصبح له اهتمام في مسار تمام اللاحق.
بعد تخرجه من الثانوية، أي في العام 2012، كانت النقلة النوعية في حياة تمام. كانت الأوضاع العامة في البلاد، عقب ثورة فبراير، تشهد حراكا مدنيا غير مسبوق. أنخرط تمام في الكثير من الأنشطة والفعاليات، ما مكنه من صقل الكثير من القدرات والمهارات.
أحد تلك المجالات التي كان ينشط فيها هي حقوق الطفل، فقد أسس مبادرة تعني بحقوق الطفولة وأصبح مديرا تنفيذيا لها. استمرت المبادرة من يوليو 2013 حتى 2015، وكان مقرها معهد أفانس في شارع الجزائر في العاصمة صنعاء. نفذت المبادرة العديد من الأنشطة. هناك صورة لتمام على فيس بوك تعود للعام 2013، عندما كان مشاركا في فعالية توعوية ضمن حملة "صوت اطفال اليمن" في مدرسة عذبان بمناسبة يوم الطفل العالمي 20 نوفمبر. كان من الغريب ان شخص بذلك العمر يبدي اهتماما بحقوق الطفل.
ورغم انه ألتحق بدراسته الجامعية على الفور، تخصص ادارة أعمال دولية، وهو التخصص الذي كان قد جاء محاكيا لتطلعاته، إلا أنه لم يترك مجال شغفه الأخر، الاستمرار في العمل المجتمعي من خلال المبادرات والانشطة المختلفة. وكان التحدي يتمثل في خلق توازن بحيث لا يؤثر نشاطه المجتمعي على دراسته، وقد كان عند مستوى هذا التحدي. لقد كان تأثير النشاط على الدراسة ايجابيا ويمنحه فرص التعمق في بعض المجالات التي ستخدم مساره المهني بعد ذلك.
روح المبادرة
بعد تخرجه من الجامعة، في العام 2016، لم ينتظر ان تأتي إليه الفرصة، بل بادر لكي يمهد لها الطريق. بدافع من الشغف، بدأ العمل متطوعا في احدى المؤسسات (مؤسسة شوذب) لمدة أربعة أشهر، وبعد انقضاء فترة التطوع، حصل على عقد عمل لمدة عام في ذات المؤسسة.
سبب حصوله على تلك الفرصة، هو أنه خلال فترة تطوعه كان دائما يبحث عن طرق لتحسين العمل. يقدم المقترحات لتطوير بيئة العمل، تسهيل الاجراءات والمعاملات، وأشياء أخرى كثيرة سعى لتطويرها وكانت تجد تفاعلا ايجابيا من قبل ادارة المؤسسة. تعمقه في مواضيع الادارة والتخطيط الاستراتيجي كان يدفعه لتقديم مثل هذه المقترحات بالرغم من أن وظيفته كانت مدخل ومحلل بيانات في مشروع حماية الطفل.
يقول تمام، ان التعلم من الأخرين واستثمار الفرص التي تتاح بشكل جيد، هما أيضا من العوامل البارزة التي صقلت خبراته وأهلته لتحقيق النجاحات المهنية على نحو متسارع.
من تلك الفرص هي العمل مع منظمة مدرسة السلام، التي ترأسها لمياء الارياني. قبل ان يصبح مديرا تنفيذيا في منظمة "شباب بلا حدود"، كان لتجربة مدرسة السلام الدور الأهم في اعداده.
هو لا ينسى أثر هذه التجربة، كما أن الارياني عبرت عن فخرها بأن انطلاقته كانت قد بدأت من "مدرسة السلام" حيث قالت في منشور لها على فيس بوك بمناسبة اختيار تمام ضمن الهيئة الاستشارية لسفارة هولندا أواخر اغسطس/ آب من العام الماضي، أن تمام كان قد "ساهم في وضع حجر اساس المنظمة وساهم في بنائها ونجاحها".
ترك مثل هذا الأثر الجيد في أي مكان يعمل فيه، هو ما يسمح لرصيده المهني بالتراكم وينعكس على شكل نجاحات متتالية.
عندما بدأ تمام الشيباني العمل مديرا تنفيذيا في منظمة "شباب بلا حدود"، في العام 2019، وهي واحدة من بين 3 منظمات تعد الأكثر فاعلية في مدينة تعز، فقد حدث ذلك بالتوازي مع أشياء أخرى. ففي ذات العام تزوج، وأصبح مسئولا عن أسرة، وبعد عامين فقط، مع قدوم تيم أصبح أبا. وبقدر المخاوف والارتباك التي أثارتها هذه التغيرات في حياته، بقدر ما كانت تمنحه طاقة للمجابهة وتجاوز التحديات.
من بين هذه الثلاثة التحولات المتسارعة يقول إن قدوم طفله البكر "تيم" كان هو الأصعب. "أن يكون لديك طفلا في وضع كهذا الأمر ليس سهلا". كانت الأسئلة التي تراوده: كيف سيعيش طفل في هذه الظروف؟ كيف سيتلقى تعليمه؟ وكان المستقبل يبدو له مجهولا.
لعل اهتمامه السابق بقضايا حقوق الطفل، وتعمقه في معاناة الأطفال في زمن الحرب، كان منبع هذه الأسئلة. لكن الأمر أصبح واقعا، وأصبح تيم صديق يصعب الاستغناء عنه. بل كانت كل تلك التغيرات المتسارعة تمنحه حافز اضافي على العمل والانجاز. ولا ينسى تمام دور شريكته التي كان لدعمها دور كبير في تجاوزه للتحديات التي واجهها في عمله كمدير تنفيذي.
امتلاك الرؤية
في مداخلة تلفزيونية قال تمام الشيباني أن منظمات المجتمع المدني تأتي نابعة من احتياجات المجتمع. وأن هذا هو الاساس الذي نشأت عليه منظمة "شباب بلا حدود"، حيث تعمل على توفير بيئة مواتية للشباب للعب أدوار مهمة في الحياة العامة، لتحقيق تغيير ملموس في المجتمع.
من وجهة نظر تمام، الأمر يبدأ من تلبية احتياجات الشباب، على مستوى بناء القدرات في المجالات السياسية والاقتصادية، وتقديم الدعم النفسي لهم، واشراكهم في جهود بناء السلام. ثم العمل على تمكينهم واشراكهم في الحياة العامة حتى يصبحوا ذو تأثير عالي في مجتمعاتهم.
"شباب بلا حدود" جاءت في ظروف تعطلت فيها مصالح الشباب، بل وأصبحوا عرضة للاستقطاب المدمر. لهذا تتكثف جهود المنظمة على مستوى العمل مع السلطات المحلية في محافظات عدة لاستيعاب الشباب في الهياكل الحكومية وفي عملية التنمية، وبالتوازي تواصل العمل على بناء القدرات ومراكمة المعارف والخبرات المتعلقة بالعمل الشبابي.
وقد أكتسب تمام رؤية واضحة في هذا المجال، فعند سؤاله عما تحتاجه منظمات المجتمع المدني العاملة على قضايا الشباب؟ أجاب بأن فكر هذه المنظمات لا يزال بحاجة إلى تطوير أكبر، بحيث يصبح العمل على قضايا الشباب استراتيجيا، لكي تتخلق مساحات حقيقية للمشاركة الشبابية، على المستوى المحلي والوطني.
نفس الأمر فيما يتعلق، بقضايا النوع الاجتماعي. لا يفضل تمام الاستغراق في النقاشات التي تثار من وقت لأخر، قدر اهتمامه بالعمل على هذه القضايا من منظور استراتيجي. انتاج وعي بقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والدعم النفسي للنساء والفئات الضعيفة وغيرها من الاحتياجات التي يفرضها الواقع.
الانفتاح على التجارب
في الفترة الأخيرة، انخرطت منظمة "شباب بلا حدود"، في تجربة جديدة، تمثلت في العمل على قضايا النازحات في محافظة تعز. وذلك ضمن مشروع حوار السلام والعمل الإنساني للنساء والفتيات النازحات في اليمن، وهو مشروع تنفذه مؤسسة إطار للتنمية الاجتماعية بتمويل من صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني وتديره هيئة الأمم المتحدة للمرأة (مكتب اليمن). وتعد "شباب بلا حدود" هي الشريك المحلي في محافظة تعز.
يصف تمام هذه التجربة بأنها مختلفة عما هو سائد في عمل المنظمات. فهي قائمة على منهجية الحوار وتتضمن الاستماع للمطالب والاحتياجات من أصحاب المصلحة، أي النازحات، ما يمثل فرصة لتضمين المزيد من اصوات النساء واحتياجات فئة النازحات، في تصميم الاستراتيجيات والسياسات.
يرى أيضا أن العمل في هذا المشروع كان فرصة للتعرف على قضايا فئة جديدة في المجتمع. وقد تكللت انشطة المشروع، باختيار قضية التمكين الاقتصادي للمرأة النازحة. حيث غياب التمكين الاقتصادي هو ما يجعل النساء النازحات عرضة للعنف والاستغلال، وغيرها من المظاهر، مثل تسرب الفتيات من التعليم، وانتشار زواج القاصرات بشكل كبير. غير ان المعرفة التي انتجت اثناء العمل في هذا المشروع، مهمة في عملية تصميم المشاريع المستقبلية.
وبما ان المشروع، ينفذ في أربع محافظات، فقد كانت هذه فرصة لاكتساب المعرفة والتعرف على الخبرات التي ينتجها ذات السياق في أماكن أخرى، بحسب تعبيره. خاصة مع الاضافة النوعية التي تقدمها فكرة منصة "محلية" الرقمية، التي تعمل على انتاج محتوى متعلق بمثل هذه القضايا في مكان واحد، يعطي امكانية لوعي أفضل بالقضايا ومناصرتها بشكل جيد. يقترح تمام ان يجري التوسع في استخدام هذه الفكرة مستقبلا.
لكتابة هذه القصة، أجريت مقابلة مطولة مع تمام الشيباني، ثم لحقها نقاش مستفيض حول بعض الجزئيات. فقد كان حريصا على ان يبدو كل شيء دقيقا، وكان هذا يعطي ملمحا آخر عن شخصية الشاب الذي يحرص على أن يبدو أي عمل ينخرط فيه جيدا إلى أقصى حد ممكن. ولعل هذا هو السر الأهم في مسيرة النجاح المبكرة.