نازحات حضرموت.. انعدام المأوى وغياب التمكين

في ظروف قاسية وشديدة التعقيد، غادرت جميلة، واسرتها المنزل، هربا من الموت الذي كان يلاحقهم مع اشتداد المواجهات العسكرية التي شهدتها مديرية الجراحي بمحافظة الحديدة غربي اليمن عام 2019م.

كان من الصعب عليها ترك مسقط رأسها وطفولتها وكل ذكرياتها، لكن ويلات الحرب، دفعتها للبحث عن الامان لأولادها الاربعة. وقبل ان يستقر بها الحال في مخيمات النزوح بمحافظة حضرموت شرق اليمن، كانت محطتها الاولى مدينة عدن جنوبا.

مكثت جميلة (29 عاما)، مع زوجها واطفالها في مدينة عدن لمدة شهرين، وكانت تجربة قاسية وصادمة لها. :"لم اتوقع ان يصل بنا الحال للعيش في مخيمات نزوح داخل خيام بالية وخدمات معدومة، ومياه ملوثة وغير صالحة للاستحمام ناهيك عن صلاحيتها للشرب".

حملت جميلة امتعتها، وانطلقت مع اسرتها في رحلة نزوح جديدة، ليستقر بها الحال بمخيم النازحين في منطقة بويش، بمدينة المكلا عاصمة حضرموت.

لم يختلف حال مخيم المكلا كثيرا عن الاوضاع في عدن، وفق جميلة التي تقول:" سكنا داخل خيمة مهترئة، لا تقينا حر الصيف ولا برد الشتاء، وحين تهطل الامطار اخرج انا واطفالي للاحتماء في مكان اخر".

تقول جميلة انها لا تشعر بالاستقرار والامان، في المخيم الذي يفتقر لأبسط مقومات العيش، وتقول ايضا ان ذلك انعكس عليها وعلى اطفالها صحيا ونفسيا وعلى مختلف الاصعدة. أكثر ما يؤلم جميلة هو حرمان اطفالها من التعليم، نظرا لبعد المخيم عن المدارس، ولأسباب اقتصادية ايضا. المخيم الذي تعيش فيه جميلة وعدد كبير من النازحات واسرهن، معزول في المنطقة ويبعد عن الخدمات مسافات بعيدة، ما يضطر جميلة وبقية الناحات الى تحمل مشقة المشي عدة كيلومترات لتوفير الاحتياجات الضرورية للعيش، كالطعام والشراب. وما يضاعف من معاناة جميلة ان اثنين من اطفالها يعانون من شحنات كهربائية زائدة في الدماغ، وتواجه صعوبة كبيرة في توفير الادوية اللازمة لهم.

عدا جميلة تعاني، 45 أسرة في بوش، ومئات الاسر الاخرى في بقية مخيمات النزوح بمحافظة حضرموت من ظروف بائسة، تفتقر لأبسط مقومات العيش والبقاء.

يبلغ عدد النازحين بمحافظة حضرموت 67.179 شخص، موزعين على 12.281 أسرة، فيما يبلغ عدد مخيمات النزوح بالمحافظة، 25 مخيم موزعة على 7 مديريات، وفقا لإحصائية صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النزوح بالمحافظة.

وفقا للإحصائية ذاتها، تشكل النساء والفتيات النسبة الاكبر في عدد النازحين بالمحافظة، ويتوزع الأفراد حسب النوع الاجتماعي في المخيمات بنسبة 45% من الذكور، و55% من الاناث.

وبلغ عدد الأطفال النازحين في حضرموت في سن التعليم 25.601 طفل، 28% منهم لم يتمكنوا من الالتحاق بصفوف الدراسة لظروف اقتصادية ومعيشية.

المأوى صعب المنال

لحضرموت خصوصيتها التي تجعل العيش داخل مخيمات النزوح، امر صعب للغاية، لعوامل متعلقة بالطقس والبيئة التي لا تتحملها الخيام المهترئة، الا ان الحصول على منزل، يبدوا حلما صعب المنال بالنسبة لعدد كبير من النازحين بالمحافظة.

تقول أم علي، وهي نازحة طلبت عدم الكشف عن هويتها، أنها وأسرتها تواجه تحديات كثيرة، في مخيمات النزوح وان الحاجة باتت ملحة للسكن في منازل مؤهلة للعيش، الا ان ارتفاع ايجارات السكن ورفض عدد من ملاك المنازل التأجير لنازحين يحول دون قدرة هؤلاء على الاستقرار في بيئة النزوح التي فروا اليها.

يؤكد حميد با خميس، مسؤول مخيم بويش بالمكلا، ان نصف عدد الاسر النازحة داخل المخيم، بحاجة لمأوى، بينما تقول الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في حضرموت أن 1197 أسرة نازحة لم تجد مأوى لها.

والى جانب انعدام فرص العمل، وغياب التمكين للنساء النازحات في حضرموت، يفرض المجتمع المضيف على النازحين اسعارا كبيرة مقابل ايجار منزل، وبحسب جميلة فان المنزل المتواضع الذي كانوا يريدون استجاره طلب منهم مالكه مبلغ 500 ريال سعودي (نحو 133 دولار) كإيجار شهري، بينما زوجها بلا دخل ثابت، ويعمل بالأجر اليومي، وباشغال بسيطة لا تغطي وجبات الغذاء الرئيسية.

بينما شكت ام علي من رفض مالك احد المنازل تأجير سكن لها، لأنها "نازحة" وقالت: يتعاملون معنا بتنمر، واغلب الايام يعود اطفالي من المدرسة وهم يبكون جراء تنمر زملائهم من ابناء المكلا عليهم".

تقر عهد الكسادي وهي باحثة في الشأن الاجتماعي بحضرموت، بحصول تجاوزات من قبل المجتمع المضيف بحق النازحات وابنائهن، كالتنمر ورفض تأجير المنازل لهم، لكنها تعود لتقول ان ذلك يحصل بنسبة ضئيلة، ولا يمثل المجتمع الحضرمي.

وتؤكد الكسادي ان النازحات في حضرموت يواجهن تحديات اخرى لا حصر لها، كانعدام فرص العمل، ما يجعلهن غير قادرات على تحسين سبل العيش لهن واسرهن. وشددت الكسادي على ضرورة تأهيل النازحات في مختلف مجالات العمل المناسبة ومن ثم تمكينهم من فرص العمل. واعتبرت ذلك تحدي كبير يحتاج تكاتف الحكومة والمنظمات المحلية والدولية والقطاع الخاص وكل الاطراف الاخرى بما في ذلك الاعلام الذي قالت ان عليه ان يلعب دورا ايجابيا في التوعية بأهمية تقبل النازحين وادماجهم في المجتمع المضيف وتأهيل النازحات وادماجهن في سوق العمل.

اما أبو بكر محفوظ - مدير مؤسسة أرض السلام - فيرى ان هناك مجموعة من الاجراءات الواجب اتباعها كجزء من حلول التمكين الاقتصادي للنازحات ودمجهن في المجتمع. تبدأ بفرز النازحات ومعرفة المهارات والتخصصات والاعمال السابقة قبل النزوح، ومن ثم استيعابها في المجتمع المضيف أو فتح أعمال مشابهة لها في مناطق ومخيمات النزوح.  الى جانب تأهيل النازحات اللائي لا يمتلكن أي مهارات وتدريبهن على مهارات حرفية وتقنية بشكل مكثف وعملي ودعمهن بالأدوات اللازمة لفتح مشاريع صغيرة خاصة بهن مع ضرورة المتابعة والتقييم.

غياب التمكين

تبدي أم علي، رغبة كبيرة في العمل والانتاج، وتقول ان غالبية النساء النازحات يتطلعن للعمل ويبحثن عنه بشك يومي. وتضيف: لو أتيحت للنساء في المخيمات فرصة للعمل او التأهيل والتدريب في مهن يستطعن القيام بها كالخياطة أو التطريز أو الأعمال اليدوية، لتغير حالهن بشكل كبير، هن شغوفات للعمل والانتاج، ويتطلعن للعيش الكريم.  وتساءلت: اين دور الحكومة والمنظمات من تحقيق هذه الطموحات البسيطة للنازحات؟ نريد تمكيينا من العمل، وهذا حق اساسي لنا كمواطنات اولا ونازحات ثانيا.

حملنا تساؤل "أم علي" والاف النساء النازحات الى محمد جبير القائم بأعمال مدير مكتب الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بحضرموت (حكومي)، فقال ان هناك جهود تبذل لتمكين النازحات من خلال برنامج الفرص المستدامة لكسب سبل العيش الذي نفذته القيادات الشابة خلال العام 2023. موضحا ان البرنامج قدم منحا مالية لعدد 30 نازحة، لإنشاء مشاريع خاصة بهن لتمكينهن اقتصادياً ولتحسين أوضاعهن.

يبدو عدد المستفيدات من التمكين الاقتصادي متواضعا للغاية وصادما، قياسا بأعداد النازحات في حضرموت اللائي يتجاوزن 10 الاف نازحة. غير أن ما هو أسوأ من ذلك غياب الخطط المستقبلية للتمكين الاقتصادي للنازحات في مخيمات النزوح، وفقا لـ باجبير الذي ختم حواره معنا بالقول: لا توجد أي خطط مستقبلية واضحة حتى الان!