عمر باراس.. اكتسب الوعي أثناء رحلة صناعته

محلية (خاص):

لديه لغة تفكير مختلفة. ويرى في وسط كل معاناة تسببت بها الحرب، بأن ثمة فرصة لتبني منظور مختلف اتجاه الاحلام والطموحات، على طريق تجسيدها في الواقع.

بدأ العمل المجتمعي والمدني قبل ثمانية أعوام، لكنه قطع مسافات ضوئية، لقد تغير كل شيء منذ ذلك الحين، تطور وعيه، ورغم عشقه لحضرموت التي يقول انه وجد ذاته فيها، إلا أن أفق الهم الذي يحمله أصبح وطنيا ويشمل اليمن بكامله.

منشغل بالوعي لدرجة كبيرة، وقد حمل اسم المؤسسة التي يرأسها ذات الاسم "وعي"، التي يحلم أن تتجاوز اليمن ويكون لها امتداد اقليمي ودولي.

عمر باراس، هو أحد الشباب الذين يتحدون الواقع الذي فرضته الحرب، وبالقدر الذي لا يتخلى فيه عن الصراحة اثناء مناقشة القضايا الحساسة، بالقدر الذي لا يتخلى عن الأمل في التغيير للأحسن.

أجرت "محلية" مقابلة مع عمر باراس، عبر منصة زوم، بتاريخ 14 يونيو/ حزيران وطرحت عليه اسئلة عديدة، تتقاطع حول ما هو شخصي وما هو عام، حول نشاطه هو وحول نشاط مؤسسته، وايضا قضايا أخرى أردنا أن نسمع رايه فيه.

 يأتي هذا ضمن توجه "محلية" بصفتها منصة للحوار ومساحة تفاعلية وجذابة لمجتمع العمل الانساني والسلام، في اليمن، وأيضا كمنبر للفاعلين في العمل المدني والمجتمعي خاصة النساء والشباب.

 درس تجارة دولية دبلوم عالي دبلوماسية، اشتغل في التجارة الالكترونية، بدأ العمل المجتمعي والمدني قبل ثمان سنوات. يصف نفسه بأنه "مساهم في عملية بناء السلام". ويقول أن مؤسسة "وعي" التي انطلقت من حضرموت اليمن في 22 مارس/ أذار 2017، والتي يرأسها، كانت نقطة تحول حقيقية في حياته من خلالها عمل على تأسيس منصة شباب وعي التي توسعت بشكل أكبر وربطت الشباب اليمني بالمجتمع الدولي. "كانت تجربة مختلفة" كما يصفها، في تلك المرحلة عندما أغلق العالم كل شيء مع جائحة كوفيد-19، لكنه لم يستطيع حينها أن يغلق الآمال والطموحات وأحلام الشباب. "ساهمنا في خلق أفكار وأراء، وتجاوزنا كثير من التحديات".

 

في البداية كان يرأس مؤسسة شباب حضرموت التوعية، لكنه طورها وأصبحت مؤسسة "وعي" يقول ان هذا التحول جاء بعد ادراكه ان الوعي ليس محدود على منطقة جغرافية واحدة، وانما عام، على مستوى اليمن، ومستقبلا ربما على مستوى أكبر.

 ينطلق عمر باراس من بيئته البدوية لتحديد موضوع الوعي "في بيئتي الصغيرة البدوية الريفية في اليمن تلاقي صدق موجود. لكن احيانا كثير من الاشياء السلبية موجودة. مثلا تجدهم عرضة للاستغلال، بحيث يتم تحريضهم على مناطق مختلفة".

أكثر ما يحز في نفسه، أنه لا يوجد تساؤل او بحث عن اجابات حقيقية للأسئلة الاشكالية. بل الاسئلة لا تطرح بشكل صحيح، والسؤال الصحيح هو مدخل المعرفة الحقيقية. كما يرى "نحن خلقنا عظماء بالسؤال".

يقول ان تجربته في الانشغال بالوعي، وعلى مستوى فريقه في المؤسسة، تقدم أفضل مثال، عن تغيير وعيهم طوال السنوات الماضية، ليس فقط الوعي، ولكن ايضا اكتساب الخبرات. "أحد الشباب مثلا، وكان من فريق المؤسسة، أصبح في موقع قيادي مرموق على مستوى السلطة المحلية. شخص آخر (لا داعي لذكر اسماء) كان متجها للمشاركة في الصراعات المسلحة في عدن، فجرى احتوائه في وعي، وأصبح الآن في واحدة من اهم الدول في العالم لاستكمال دراساته العليا ".

لقد لعبت "وعي" دور كبير في تغيير وعيه "عندما بدأت كنت منغلق، لكن بعدها رأيت العالم بشكل مختلف". ويقول ان انخراطه في النشاط المدني عرفه على شباب من مختلف المحافظات اليمنية وكان لهم دور كبير في تغيير وعيه وايضا في مساندته.

مؤسسة وعي التي يترأسها عمر باراس، هي شريك محلي في حضرموت، ضمن مشروع حوار السلام والعمل الانساني للنساء والفتيات في اليمن، والذي تنفذه مؤسسة إطار للتنمية الاجتماعية، وبتمويل من صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني (WPHF)، وبإدارة هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN WOMEN) في كل من حضرموت، وعدن وتعز ومأرب.

ما يميز مؤسسة وعي هو أنها نشيطة في الواقع، وعقب كل نشاط تنفذه، دائما ما تلاقي ارتياحا، من قبل فريق وشركاء المشروع حيث يجمعهم، جروب في واتس آب، وقد كان من الغريب، معرفة أن عمر باراس يقيم خلال هذه الفترة في السعودية بينما مؤسسته تقدم هذا الاداء النوعي.

اثناء المقابلة، طرح عليه السؤال: هل هو سر حضرمي، ان تكون مغتربا ومؤسستك تعمل بنشاط في الواقع؟  ضحك، وكشف لنا، واحد من اسرار حياته. فهو من مواليد السعودية. أهله كلهم في السعودية. "أنا كنت مغترب في اليمن، انطبقت علي المقولة (مغترب في بلاده). كان دائما يعود الى اليمن، ويقول أنه وجد ذاته فيها، فقرر ان يبدأ نشاطه المدني.

اما سر اقامته الحالية في السعودية، فهي بسبب ظرف خاص، فوالده يتعالج هناك من السرطان، يأمل -ونحن معه- ان يتشافى في أسرع وقت لكي يعود لنشاطه.

تحاول وعي من خلال مشروع السلام، الاهتمام بالنساء النازحات، توفير الدعم النفسي، الدعم الفكري، تنمية مهاراتهم وقدراتهم، ولأنها مواضيع في صلب الموضوع الذي تعمل عليه مؤسسة وعي. فإن عمر يطمح لما هو أكبر مما هو متاح "نحاول ربط النساء النازحات بصانعي القرار على المستوى المحلي، نحاول أن نبحث من خلالهم، عن المواهب، اكتشاف القدرات والمهارات".

يقول أن الفكرة جوهرية ومضمونها جوهري لكن من يستطيع ان يوظفها بشكل صحيح ويصدرها، بحيث تغدو النازحات قوة فاعلة. على المستوى الداخلي، مأرب كان لها دور كبير جدا في بداية الحرب، عندما ساهمت باحتواء اليمنيين من مختلف المحافظات، فنهضت مأرب بشكل حقيقي.

في حضرموت التي يقول أنها سيرة الاباء والاجداد. "من يأتي إليها لا يشعر انه غريب على الاطلاق، لهذا النازحين في حضرموت ليسوا في مخيمات، بل فتحت لهم بيوت في البدايات ومن ثم تم تنظيمهم بشكل جيد". يشيد بدور السلطة المحلية وبدور رجال الأعمال والمؤسسات المجتمعية في هذا الصدد.

العمل الجماعي ضمن هذا المشروع ترك انطباع جيد في مؤسسة وعي. "نحن استفدنا من التجارب الموجودة في تعز في مأرب ايضا في عدن، بحيث تتنوع الأفكار وتختلف المنهجية في العمل". يقول ان ذلك وفر لهم في مؤسسة وعي "إمكانية لتطوير عملنا، ونحاول أن نستغلها بشكل جيد".

منذ بداية عهده في العمل المدني، وهو يحمل تطلعات بأن يلعب الشباب دور أكبر خلال هذه المرحلة، لكن السؤال الأساسي الذي لا يزال يبحث له عن اجابة هو: من أين نبدأ وماذا نريد؟  

يرى أن الشباب هم القوة الفاعلة في المجتمع، "لكن للأسف تم تجويعنا للأسف تم تهميشنا. اليوم المناطقية والعنصرية زرعوها بيننا بالمال والسلاح بشكل قوي جدا".

ورغم قتامة الوضع، لا يتخلى عن الأمل، في أن يتوحد الشباب ويكون لهم دور فاعل. بنظره الأمر ايضا يشمل وضع المرأة ومشاركتها، وهو أحد الموضوعات التي أوليتها منصة شباب وعي اهتمامها خلال الفترة الماضية.

 يصف عمر باراس منصة محلية، بالنوعية، ويعبر عن تفاؤله في نموها ولعب دور فاعل في المرحلة القادمة. "الأمر يتوقف على الاستمرارية" ويرى أن هناك موضوعات كثيرة يمكن العمل عليها، وفي مقدمتها موضوع الأليات "يجب رفع الوعي بشأن تغيير آليات العمل والخروج من دائرة القوالب المعتادة التي لا تترك أثر كبير".