محلية (خاص)
عندما بدأت داليا في سن صغيرة تمارس الأنشطة المجتمعية، لم يكن في بالها ان ذلك سيجعلها تذهب بعيدا وسيتحول نشاطها إلى عمل مؤسسي. اليوم تقود داليا قاسم مؤسسة بنات الحديدة التي تترأسها، نحو بناء نموذج غير مسبوق في العمل من أجل المرأة اليمنية.
تبنت داليا وصديقاتها، منذ انطلاقتهن أواخر العام 2010، منهجية العمل على التمكين الاقتصادي للمرأة، وبإمكانيات بسيطة وحب والكثير من الشغف، نجحن في تأهيل المئات من رائدات الأعمال، وتأسيس المئات من المشاريع الصغيرة.
ما قاد داليا وصديقاتها إلى الاهتمام بمشاريع التمكين الاقتصادي للمرأة، هو تجربتهن كفتيات، يختلطن بالنساء ويعرفن كيف تسير الأمور. وقد أدركن بأنه لا يمكن للمرأة أن تحلم بأن تمتلك الحرية في اتخاذ قراراتها في الحياة، بينما هي ليست متحررة اقتصاديا. هذا هو الأساس النظري الذي حكم نشاطهن، أما البداية فقد كانت من خلال تأسيس مشاريع صغيرة للنساء اللاتي يقمن بإعالة أسرهن.
تنحدر داليا قاسم فارع من محافظة تعز، وتحديدا منطقة ذبحان في الحجرية، لكنها عاشت حياتها كلها في محافظة الحديدة. هناك كبرت ودرست وتزوجت وهناك تنشط مدنيا ومجتمعيا وانسانيا.
قصة بنات الحديدة
كانت البداية عبارة عن مجموعة فتيات، يرغبن في مساعدة الأسر المحتاجة. كان ذلك عقب اكمالهن المرحلة الثانوية، وكن يجمعن مبالغ مالية من مصروفاتهن، ويساعدن النساء اللاتي يعملن على اعالة أسرهن. أما نوع المساعدة فكانت عبارة عن تأسيس مشروع صغير، لمن لديها فكرة مشروع وقدرة على تنفيذه. حيث يقدم لهن مساهمات مالية وأيضا توفير فرص تدريبية في كيفية ادارة المشاريع الصغيرة.
تعود أول مراحل هذا النشاط إلى تاريخ 20 ديسمبر كانون الأول 2010، عندما قامت داليا بأنشاء مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، تحت أسم "ملتقى بنات الحديدة"، كانت قد اتفقت مع واحدة من صديقاتها على انشاء هذه المجموعة ودعوة باقي صديقاتهن والأهل الى الانضمام. وعندما أصبح العدد مناسبا بدأن يطرحن الفكرة: جمع مبالغ مالية من كل عضو في المجموعة لصالح انشاء مشروع صغير لواحدة من الأسر المحتاجة.
كان هذا أفضل من فكرة الدعم الفردي غير العملية. لاقت الفكرة تفاعلا من اعضاء المجموعة، وبدأ العمل على جمع التبرعات، بينما اعضاء الجروب الاساسي (داليا وصديقاتها حيث وصل عددهن إلى 20 فتاة) آخذن يفكرن بالأنشطة ويقسمن المهام بينهن. بعضهن لم يكن قد التقين من قبل.
تسمي داليا هذا النشاط المبكر، بأنه كان نشاطا مجتمعيا، في نطاق الأهل والأسرة والصديقات. وبأنها لم تكن تفكر في أن ذلك سيقودها إلى تحويل فكرة بنات الحديدة إلى مؤسسة، لكن النشاط وتطوره قادها إلى هذا الطريق.
ما ساعد فكرة "بنات الحديدة" على اكتساب فعالية، هو اقامة المعارض الخيرية، من خلال انتاج مشغولات يدوية وبيعها. في البداية كان يتم عمل هذه المعارض في قاعات صغيرة مجانية، ثم لاحقا من خلال استئجار قاعات أكبر. وكن هن من ينتجن ويبعن جهدهن لصالح دعم الأسر المحتاجة. أول معرض ومثل انعطافه مهمة كان بمناسبة يوم اليتيم.
تطورت فكرة المعارض، وصولا الى اقامة معرض لبيع المنتجات التجارية في المركز الثقافي في الحديدة. كان بازار كبير، وكان من يريد ان يعرض منتجاته، يستأجر مساحة أو طاولة ويعرض عليها، بينما العائد يذهب لصالح دعم الأسر المحتاجة.
هذه المعارض وبالذات بازار المركز الثقافي، ساهمت في انتشار المبادرة وبدء الاهتمام بها من قبل المنظمات، بدأت "بنات الحديدة" تنفذ أنشطة مدعومة، ليتراكم النجاح والجهد وتبدأ تتبلور فكرة تحويل "بنات الحديدة" إلى مؤسسة.
بالتوازي مع نشاطها المجتمعي، كانت داليا قد أصبحت موظفة في التعليم الفني والتدريب المهني، وكان كل مجال يعزز الأخر، إلى أن أتضح مسارها العلمي وقررت أن تدرس ادارة اعمال. تقول ان نشاطها المجتمعي دفعها إلى اختيارات كثيرة في مجال دراستها، وفي الدورات التدريبية التي تشارك فيها، وصولا الى دراستها للماجستير.
منهجية التمكين الاقتصادي
تفرق داليا، بين الأعمال الاغاثية والانسانية وبين مشاريع التمكين الاقتصادي. فهي ترى أن الاعمال الاغاثية بالنظر الى الظروف التي تمر بها اليمن لا تزال مهمة، لكنها ترفض ان يكون كل النشاط إغاثي "مش دا الأساس"، لأن العمل الاغاثي آني وهو مفيد، بل وضروري في المناطق التي تشهد أوضاع استثنائية وتحتاج إلى تدخل سريع. على عكس التمكين الاقتصادي الذي يصنع حلول مستدامة للأسر المحتاجة. تختصر فكرة التمكين الاقتصادي بقولها: "اساعدهم انه يكونوا هم اللي يعولوا أنفسهم بدلا من انتظار مساعدات الأخرين".
تعتمد داليا، على منهجية التمكين الاقتصادي للمرأة، لمساعدة الأسر المحتاجة، ولجعل المرأة قادرة على امتلاك قرارها وتحديد خياراتها في الحياة. وترى أن المشاريع الصغيرة، لا تساعد فقط الأسر المحتاجة، ولكنها تساعد عجلات اقتصاد البلد على الدوران.
يشمل التمكين الاقتصادي الذي تقوم به مؤسسة بنات الحديدة، تعليم الاسر المحتاجة الحرف، أو كيفية تأسيس وادارة مشروع صغير، أو اقامة المعارض لتسويق المنتجات المنزلية، إلى جانب تقديم مساهمات مالية وعينية عند تأسيس هذه المشاريع كلما كان ذلك ممكنا.
خلال نشاطها، صادفت داليا الكثير من النساء اللاتي كن يمنحنها طاقة للمضي قدما. "وجدنا نساء لديهن امكانيات كبيرة ورغبة حقيقية في تأسيس مشاريعهن الخاصة" لكنهن كما تقول، يفتقدن الأساس للانطلاق: توجيه صحيح وبعض الدعم اللازم.
تصف النساء بأنهن أكثر عطاء، وهذا لا يعني انها تتحيز لهن على حساب الرجال لطالما صادفت في طريقها رجال متعاونين ومتفهمين وعطائهم غير محدود. وقد كان هذا عاملا مساعدا إلى حد كبير في نجاح معظم مشاريع التمكين الاقتصادي. تحتفظ داليا في أرشيفها بقصص كثيرة عن رجال ساندوا زوجاتهم، لدرجة تجعلها ممتنة لهذا النوع من الرجال.
ليس شرطا ان تنجح كل المشاريع، ولكن لو استمرت 40% بالمائة من هذه المشاريع فهو نجاح كبير بالنسبة لداليا. عندما تصادف واحدا من تلك المشاريع الذي جرى تأسيسها قبل سنوات وهو لا يزال قائما اليوم أو تطور، تشعر داليا بسعادة غامرة، وتقول ان هذه هي المكافأة الحقيقية لما تقوم به.
الانتقال النوعي
تعد منصة "خبرات نسائية"، وهي مشروع بدعم من هيئة الأمم المتحدة وتمويل من صندوق المرأة والسلام والعمل الإنساني، ضمن مشروع الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي للمرأة، بمثابة انتقال نوعي لنشاط "بنات الحديدة" حيث هناك انتقال من العمل المادي الملموس الى العمل على الوعي وعلى تضافر الجهود.
بحسب أدبيات المنصة فهي تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في صناعة القرار والسلام المستدام، والاسهام في نقل الخبرات النسائية في مختلف المجالات. توفر المنصة محتوى رقمي عن قضايا النساء، بهدف التوعية من خلال حلقات انميشن تحمل اسم نور.
تقول داليا، أن المنصة لا تزال في البداية، وأنها ستسعى خلال المرحلة المقبلة إلى إلقاء الضوء على أدوار النساء الفاعلات في مجتمعاتهن، واللاتي لم يحظين باهتمام كافي ووصول إلى الاعلام، بالرغم من أدوارهن المتميزة. والهدف هو ابراز أدوارهن ولكي تصبح مثل هذه التجارب قابلة للعيش والاستلهام وأيضا لأن هذا حق لهن كما توضح.
هناك جانب أخر من المشروع الذي تسعى "خبرات نسائية" الى تحقيقه، يتعلق ببناء ارشيف متكامل بالخبرات النسائية في مختلف المجالات، حتى يصبح من السهل الوصول إلى هذه الخبرات عند الحاجة أو من قبل الباحثين.
من هذا المنطلق الذي يسعى الى مراكمة الخبرات النسوية واثراءها، اتفقت مؤسسة بنات الحديدة مع منظمة إطار للتنمية الاجتماعية على تبادل الخبرات في المجالات التي راكمت فيه كل منظمة رصيد من الخبرة والريادة. تصف داليا التجربة بأنها جميلة وتأمل أن تتطور مستقبلا سواء في العلاقة مع منظمة إطار أو في العمل مع منظمات أخرى.
أصبحت "بنات الحديدة" اليوم تحظى بثقة المجتمع المحلي من جهة، وثقة المنظمات الدولية من جهة أخرى. ليصبح موضوع التمكين الاقتصادي للمرأة اليمنية والارتقاء بدور المرأة في المجتمع، محور جذب لكل من يهتم بوضع وقضايا المرأة اليمنية. ورغم ان الدعم لا يزال دون المستوى المطلوب، تأمل داليا، أن يتعزز اهتمام المنظمات الدولية بالتمكين الاقتصادي وأن تخصص له أمكانيات أكبر خلال الفترة المقبلة.