منير بن وبر
تشهد مرتفعات اليمن درجات حرارة قريبة من الصفر.. مع حلول الشتاء ويصبح النازحون داخلياً أكثر عرضة لخطر الصدمات الباردة
ارتفع عدد الأشخاص الفارين من منازلهم في عام 2022 إلى 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بعد أن كان عددهم 90 مليوناً في عام 2021. أوروبا، هي الوجهة المفضلة للعديد من المهاجرين، الذين خاضوا لأجلها مغامرات محفوفة بالمخاطر؛ من الموت غرقاً إلى الموت برداً.
في اليمن، أُجبر نحو 4.3 مليون شخص على النزوح داخلياً، ناهيك بـ300 ألف مهاجر وطالب لجوء. أدى القتال المستمر وتوقف مكاسب التنمية وزيادة الضغط والتنافس على الموارد إلى إضافة المزيد من التعقيد إلى الأزمة، كما تسببت الأمطار الموسمية الغزيرة، خلال الأشهر الماضية، في إرغام المزيد من الأُسر على مغادرة منازلها.
اليوم، ومع حلول فصل الشتاء، تشهد مرتفعات اليمن درجات حرارة قريبة من الصفر، ويصبح النازحون داخلياً أكثر عرضة إلى خطر الصدمات الباردة، التي قد تؤثر على صحتهم بشكل خطير؛ بما في ذلك الوفاة. مع كل تلك المخاطر، لا يزال تمويل الاستجابة للأزمة في انخفاض؛ مما يهدد بتحول الأزمة في البلاد إلى أزمة منسية بالفعل.
أربعة ملايين نازح.. ومأرب من أكبر المستضيفين
بلغ عدد النازحين في اليمن منذ انطلاق الصراع 4.3 مليون نازح. تشير أحدث بيانات تتبع حركة النزوح في اليمن إلى محافظة مأرب كإحدى أكثر المحافظات تأثراً، ومن المتوقع أن تعاني المحافظة استمرار الأزمة وعواقبها خلال عام 2023.
توزع النازحين داخلياً حسب المحافظات سنة 2022.. اليمن- UNCHR وفقاً للبيانات الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، فقد تم تتبع نزوح أكثر من 10 آلاف أسرة في اليمن خلال عام 2022، بما مجموعه نحو 60810 أفراد.
شهدت محافظة مأرب أكبر حركة نزوح خلال العام؛ حيث جرى نزوح أكثر من 2800 أسرة. تُعد مخاوف الأمن والحماية السبب الرئيس لحركة النزوح، تليها الصعوبات الاقتصادية الناتجة عن الصراع.
وحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن العدد الأكبر متلقي المساعدات من النازحين -خلال عام 2022- كان في كل من الحديدة وحجة ومأرب؛ بسبب الأعداد الكبيرة للأُسر النازحة فيها مقارنةً ببقية المحافظات. حسب المنظمة أيضاً، فإن ما يربو على 44 في المئة من هذه الأُسر تنوي البقاء في مكان نزوحها خلال الأشهر الستة المقبلة. كما أن الدخل الشهري لأغلبها (34.3% منها) يقل عن 41 دولاراً أمريكياً.
بيئة قاسية
يعد الصراع والصعوبات الاقتصادية أول أسباب النزوح؛ لكن الأمطار الموسمية الغزيرة والشتاء القارس يجعلان مجتمعات النزوح عرضةً إلى المزيد من المخاطر. في مثل هذه البيئة، يُصبح النازحون محاصرين في دائرة من المآسي التي يبدو ألا مهرب منها.
فيضانات في أحد مخيمات مأرب للنازحين- AFP
كان للهدنة التي استمرت ستة أشهر خلال 2022 دور في تنشيط التجارة ووصول المساعدات؛ لكن مع توقع عودة الصراع تدريجياً -بعد الفشل في تجديد الهدنة- فمن المتحمل تراجع فُرص الدخل لدى السكان عموماً وزيادة التكاليف؛ بما في ذلك النازحون داخلياً. علاوة على ذلك، انخفضت وتيرة وحجم المساعدات الإنسانية في اليمن إلى حد كبير خلال عام 2022.
وفقاً لتقرير شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، من المحتمل أن تبقى نتائج الأزمة واسعة الانتشار، ومن المتوقع أن تعاني محافظة مأرب بشكل خاص؛ بسبب العدد الكبير من النازحين والمتضررين من الفيضانات
تضررت عشرات آلاف الأُسر جراء الأمطار الموسمية الغزيرة والفيضانات في مختلف أنحاء اليمن خلال عام 2022. في مثل تلك الظروف، تكون مجتمعات النزوح الحلقة الأضعف؛ حيث تعيش نسب كبيرة من النازحين في مراكز تجمع نازحين ومآوٍ وخيام طوارئ بائسة، وبيوت طينية أو حجرية غير آمنة. يعيش آخرون في بيوت الأقارب أو الأصدقاء، أو قد يستأجرون منازل لهم؛ لكن عادةً ما تكون تلك البيوت في حالة يُرثى لها، وإن كانت أفضل حالاً من مخيمات النزوح والبيوت الطينية.
الحياة في العراء
تظهر التوقعات احتمالات كبيرة لاستمرار هطول الأمطار العادية خلال شهر يناير؛ لكن درجات الحرارة المتدنية، التي تقترب من الصفر، تجعل الأمور أكثر سوءاً بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في العراء أو المآوي المهترئة من النازحين.
منذ بداية ظهور أجواء الشتاء في نوفمبر، تم تسجيل أدنى درجات حرارة في محافظة ذمار؛ حيث وصلت إلى درجة مئوية واحدة، لتستمر في الانخفاض خلال الأشهر التالية في مختلف أنحاء البلاد، وحتى منتصف يناير على الأقل. من المتوقع أن تتراوح درجات الحرارة في مرتفعات اليمن خلال الشتاء بين صفر وخمس درجات مئوية. تشمل المناطق المتأثرة بشدة من انخفاض درجات الحرارة أجزاء من محافظات مأرب والجوف وتعز وصنعاء؛ وجميعها من بين المحافظات المستضيفة للنازحين داخلياً.
يؤثر انخفاض درجات الحرارة والصدمات المناخية على سُبل المعيشة وحياة السكان، ويعاني النازحون داخلياً بشكل خاص تبعات ذلك؛ إذ يمكن أن يتسبب الطقس البارد مع ضعف الحماية والتدفئة غير الكافية في أمراض خطيرة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. كما يمكن للأمطار الغزيرة والفيضانات أن تدفعهم للنزوح أكثر من مرة.
كل ذلك ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الصعوبات التي يتعرض إليها النازحون، والتي تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التعرض لخطر العنف المسلح، وانتهاكات حقوق الإنسان، والاضطهاد. من المؤسف حقاً العِلم أن عشرة ملايين نازح جديد أُضيفوا إلى إجمالي النازحين عالمياً في عام 2022، وأنه لا يوجد أحد منهم في مأمن من ظروف المناخ أو ظلم الإنسان.
الصراع وتغير المناخ والنازحون
غالباً ما تكون تأثيرات الصراع وتغير المناخ على النازحين متشابهة جداً؛ لأنهم يفقدون منازلهم وجميع ممتلكاتهم، ويضطرون للفرار إلى أماكن غير مألوفة وخطيرة في كثير من الأحيان. يعيش العديد من النازحين في مخيمات مؤقتة مع وصول ضئيل أو معدوم إلى الخدمات الأساسية. كما أنهم معرضون لخطر المرض والاستغلال.
مخيم في صحراء مأرب- “أوكسفام”
يعتبر الوضع صعباً بشكل خاص بالنسبة إلى النساء والأطفال، الذين يشكلون غالبية النازحين داخلياً، وغالباً ما يواجهون مخاطر إضافية؛ مثل العنف الجنسي والتجنيد في الجماعات المسلحة.
علاوة على ذلك، يتزايد الاعتراف بتغير المناخ على أنه “عامل مضاعف للتهديد”؛ فهو يؤدي إلى تفاقم دوافع الصراع والنزوح، مثل الفقر، وندرة الموارد الطبيعية، وعدم المساواة الاقتصادية. خلال عام 2022، أدت الأمطار الموسمية الغزيرة والعواصف الهوائية والانهيارات الأرضية والفيضانات في جميع أنحاء اليمن إلى أضرار جسيمة للبنية التحتية العامة، وتسببت في وفيات وإصابات. سيكون لكل ذلك تأثيرات سلبية طويلة المدى لا ريب.
خلال العام الماضي، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 23.4 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في عام 2023.
و من بين كل الأزمات، يعتبر النزوح أحد أكثرها صعوبة؛ لذلك يجب على المجتمع الدولي بذل المزيد من الجهد لدعم النازحين ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم.
المصدر: موقع كيوبوست