حوار النازحات

نازحات مأرب، ضحايا الإهمال والمناخ

post-img

ببقايا أمتعة، وبالكثير من الذكريات، فرت "أم أرياف" من نيران الحرب التي اشتعلت في منطقتها، بإحدى مديريات محافظة مأرب شرق اليمن، لتكتوي بنار أخرى اندلعت بخيمتها في أحد مخيمات النزوح بذات المحافظة التي تحتضن العدد الاكبر من النازحين على مستوى اليمن.

ومن بين نحو 3 ملايين نازح في اليمن، تحتضن محافظة مأرب ما يزيد عن مليوني نازح، وبنسبة 73% موزعين على 197 مخيم، وفقا لتقرير حكومي حديث.  وتشكل النساء والاطفال 80% من نسبة النازحين في اليمن، وفقا لتقارير أممية قالت ان وضع النساء النازحات في اليمن هو الأسوأ على الاطلاق.

لا زال الخوف يتملك المرأة العشرينية وهي تروي قصة نزوحها، من منزلها بمنطقة الجوبة، والأمان الذي افتقدته وطفليها وزوجها داخل خيمة مهترئة لم تقيها برد الشتاء، ولا حر الصيف، ناهيك عن الفيضانات والحرائق التي تتهددهم من وقت لأخر، ومثلها نيران الحرب، التي لا زالت تلاحقهم.

نهاية العام 2021، غادرت ام "أرياف"، وأسرتها، المنزل، ومثلهم مئات الأسر في مديرية الجوبة والمديريات الجنوبية لمحافظة مأرب التي شهدت حينها معارك عنيفة، أدت الى نزوح عشرات الالاف من المواطنين، الامر الذي انعكس على مستوى الخدمات التي قدمت لهم.

تقول "أم أرياف" التي تبدو ملامح وجهها أكبر من سنوات عمرها، انهم بقوا في العراء لأيام طويلة قبل ان ينتقلوا الى مخيم "الجفينة" للنازحين. "عشنا في الصحراء في نوفمبر وبداية ديسمبر من العام 2021، حيث كان الصقيع يقطع اوصالنا، كان اعداد النازحين كبيرا جدا، والخدمات متواضعة ورديئة، كنت احتضن اطفالي طوال الليل كي لا يفتك بهم البرد، أما زوجي فكان يقضي النهار في الخارج بحثا عن الغذاء والماء لنا".

لم تمضي سوى ايام قليلة من انتقال الاسرة الى المخيم، حتى فجعت "أم أرياف" بالحريق الذي التهم عدد من الخيام تباعا بما في ذلك خيمتها. " كنت اصرخ كالمجنونة وانا انتزع اولادي من وسط النيران، والحمدلله نجونا، حتى وان فقدنا كل ما نملك".

وبكلمات ممزوجة بالدموع، روت "ام ارياف"، المأساة التي حلت بإحدى رفيقاتها بالمخيم، التي فقدت ثلاثة من اطفالها في ذات الحريق الذي اندلع نهاية العام 2021، وتسبب ايضا بحريق من الدرجة الثانية لثلاثة اطفال اخرين ووالدتهم.

كانت النيران تلتهم مخيمات ومساكن النازحين بضراوة واحدة تلو الاخرى، وساعدها في ذلك قرب الخيام من بعضها البعض، وسهولة اشتعال موادها، ومحتوياتها، (خيام قطينة في الغالب) فضلا عن الرياح التي كانت عامل مساعدة لسرعة انتشار الحريق الذي عجز النازحون عن اخماده.

تتكرر الحرائق من وقت لآخر في مختلف مخيمات النازحين بمحافظة مأرب، دون معالجات حقيقية لهذه الكوارث التي تخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة.

وبحسب احصائية صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب، فان عدد الحرائق التي اندلعت في مخيمات النزوح بالمحافظة بلغت منذ العام 2020 حتى اغسطس من العام 2023، نحو 324 حادثة، تسببت بوفاة 26 شخصا، واصابة 49 اخرين، أكثر من 85% من ضحايا هذه الحرائق كان من النساء والاطفال، الامر الذي يكشف عن حجم المعاناة التي تتجرع مرارتها النساء النازحات واطفالهن.

اهمال

تنعدم اجراءات السلامة في مخيمات النازحين، وتحضر الفوضى في كل شيء، سواء من خلال الربط العشوائي للتيار الكهربائي، او بانعدام طفايات الحريق، والتعامل الخاطئ مع اسطوانات الغاز، والطبخ داخل الخيام الضيقة، فضلا عن غياب المعرفة، حول كيفية اخماد الحرائق عند اندلاعها.

والى جانب الحرائق، توثق ذاكرة "أم أرياف " مواجع أخرى، تسبب بها التغير المناخي داخل مخيمات النزوح، التي تهتز اوتاد خيامها بفعل الرياح القوية، وغالبا ما تقتلعها العواصف الصحراوية، بينما جرفت السيول والفيضانات الناجمة عن الامطار، الكثير من الخيام.  

في ابريل من العام 2020 اجتاحت السيول التي سببتها الامطار الغزيرة ثلاثة مخيمات في مأرب. وعدا الخسائر المادية الكبيرة التي خلفتها، جرفت السيول أم واربعة من اطفالها. عثرت فرق الانقاذ حينها على جثة طفلين، فيما استمر البحث طويلا العثور على جثة الام والطفلين الاخرين.

تقول احصائيات صادرة عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات الناحين بمأرب، ان الامطار والسيول والفيضانات التي شهدتها مأرب العام الماضي 2022، تسببت بتضرر نحو 15 ألف اسرة نازحة بالمحافظة. موضحة ان الاضرار تنوعت بين جرف خيام ومساكن النازحين، او غمرها، واتلاف ممتلكاتهم.

وبين الحر الشديد، وموجات الصقيع، والفيضانات، تحول التغير المناخي في اليمن، الى قاتل جديد لآلاف الاسر النازحة في مأرب، الذين لم يكونوا أفضل حالا، قبل وقوعها، لكنهم اليوم، يعيشون وضعا أكثر مأساوية من ذي قبل.

تقول لبنى القدسي، عضو التحالف الدولي للنساء النازحات والمهجرات واللاجئات (مبادرة نسوية عربية)، أن لا أحد يهتم للمواثيق الدولية التي حفظت للمرأة عموما والنازحة خصوصا حقوقها، وعلى العكس من ذلك فالنساء النازحات اليوم، يتعرضن لانتهاكات متعدد تمس كرامتهن وحرياتهن وحقوقهن الاساسية.

واضافت ان النازحات في مأرب يواجهن الكثير من المعاناة، بما فيها انعدام الحمامات الخاصة بالنساء، الامر الذي يضطر النساء النازحات والفتيات للذهاب الى الحمامات ليلا فقط. والى جانب ذلك فإنهن يعانين من مخاوف متعددة سواء اثناء تنقلهن، او بسبب القصف الذي يتهدد المخيمات من وقت لأخر، او جراء الكوارث الطبيعية. واكدت القدسي على ضرورة الوقوف امام اوضاع النازحات في المخيمات والعمل على حفظ كرامتهن وفقا للمعايير الانسانية.

تدخلات هشة

لا يختلف وضع الغذاء كثيراً عن اجراءات السلامة الغائبة، داخل مخيمات النازحين في مأرب، فعدد النازحات وأطفالهن يفوق الاحتياجات المتوفرة من قبل المنظمات، وكذلك الحال بالنسبة للمياه والصحة والتعليم التي تعتريها علامات الضعف، وتشوبها الكثير من الاختلالات.

وهو ما يؤكده د. خالد ناصر الشجني - مساعد مدير عام الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب - الذي قال ان التدخلات التي تقوم بها المنظمات الاغاثية لا تغطي الاحتياجات الفعلية للنازحات واسرهن، سواء فيما يتعلق بالغذاء، أو الدواء او المأوى والتعليم.. الخ.  واصفا اياها بالتدخلات الهشة التي لا ترتقي لتغطية فجوات الاحتياجات الأساسية.

 واوضح الشجني، ان هناك عدد كبير من النازحات في مأرب صرن بلا عائل وهن المعيلات لأسرهن، وبالتالي فان تمكين المرأة النازحة اقتصاديا، بات امر مهما للغاية، وقال ان الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمارب عملت على تشكيل لجان مجتمعية على مستوى المخيمات والحارات، تديرها النساء النازحات ولهن صوت في اختيار المشاريع التي تنفذ وفي تغطية الاحتياجات. كما شدد الشجني على أهمية منح النساء النازحات مجالا لإدارة المساحات الامنة وبرامج الحماية او الجانب الصحي والاشراف على الانشطة.