حوار النازحات

عدن.. الأمراض تهدد حياة الاف النازحات واسرهن

post-img

منذ الوهلة الأولى لإنشائها، لم تكن مخيمات النازحين في مدينة عدن (جنوب اليمن)، بيئةً صالحة للعيش، هذا الوضع ينسحب أيضا على كافة مخيمات النزوح في البلاد المتأثرة بحرب مستمرة منذ قرابة تسع سنوات، أنتجت كارثة انسانية هي الأسوع في العالم وفق تصنيف الامم المتحدة.

فانعدام الخدمات الاساسية، كمياه الشرب، والحمامات الامنة والنظيفة، وانتشار مياه الصرف الصحي؛ أدى إلى تفشي الكثير من الأوبئة في مخيمات النازحين بعدن، بشهادة الجهات الحكومية المعنية بإدارة مخيمات النازحين في المدينة.

لم يدر في خلد (أم عصام) أن نزوحها سيجعلها في مواجهة مفتوحة مع الأمراض والأوبئة التي عصفت بأطفالها، وطالتها هي وزوجها في مأواهم المهترئ داخل مخيم النازحين بمنطقة (زهرة خليل) في مديرية دارسعد، شمالي عدن.

 (أم عصام)، امرأة خمسينية لجأت إلى عدن، قادمةً من مديرية الجراحي بمحافظة الحديدة (غربي البلاد) هربًا من الحرب، بعد أن تعرض منزلها للقصف، كما هو حال غالبية منازل المنطقة.

ومنذ العام 2018 - تاريخ بدء نزوحها- تعيش (أم عصام) برفقة زوجها وأولادها الستة، في هذا المخيم، وسط ظروفٍ معيشية غاية في السوء، داخل خيامٍ متهالكة، لكنها توفر لهم الأمان من الحرب وقذائفها، بحسب قولها.

يتحدث مدير الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في مدينة عدن (حكومية)، الدكتور سالم سريع، عن وجود 34 مخيما وتجمعا للنازحين في عدن، موزعين على مديريات المدينة الثمان، وتحتوي جميعها على أكثر من 26 ألف أسرة نازحة، يصل إجمالي عدد أفرادها إلى أكثر من 150 ألفا و221 شخصا، غالبيتهم من النساء والاطفال.

وأشار الدكتور سريع إلى أن جميع تلك المخيمات تعاني أوضاعا مزرية؛ نتيجة انعدام الخدمات الأساسية أو ضعفها في أحسن الأحوال، وعلى رأس تلك الخدمات المنعدمة تأتي المياه النظيفة، وخدمات الصرف الصحي، والمآوي المناسبة للحياة الكريمة.

يرتبط تلوث المياه وتردي خدمات الصرف الصحي، بانتشار العديد من الامراض والاوبئة، وهو ما شكت منه النساء النازحات في مخيم (زهرة خليل) بعدن، الذي يعانين من اصابة اطفالهن من الحميات والاسهال، كما ان كما أن قلة المساعدات أصابت أطفالهن بسوء التغذية أيضا.

عند زيارتنا للمخيم، كان احد اطفال ام عصام يرقد بجوارها وتبدوا على وجهه علامات المرض والاجهاد، علمنا لاحقا انه مصاب بأمراض الحميات، ونظرا لانعدام خدمات الرعاية الصحية في المخيم، اضطرت والدته شراء عدد من الادوية والمغذيات وخافضات الحراة. لقد كلفها ذلك مبلغا ماليا اكبر من قدرتها على توفيره، فاضطرت لاستدانة المبلع من اخرين، على ان يتم سداده بالتقسيط من قبل زوجها الذي لا يملك مصدر دخل ثابت ويعتمد على بيع ما يجمعه من مخلفات البلاستيك والمعادن. تقول الام: " لا استطيع ترك طفلي يواجه المرض لوحده حتى لو بعت كليتي". واكدت في سياق حديثها ان الامراض والاوبئة تغزو عائلتها وخيمتها باستمرار من ان وطأة فيها اقدامهم المخيم.

بيئة المخيم الذي تعيش فيه أسرة (أم عصام) وعائلتها لا تختلف عن بقية مخيمات النزوح بمدينة عدن، فهي بيئة غير صحية، تنشر فيها الامراض ويطالها الاهمال، وتفتقر لابسط مقومات الرعاية الصحية.

وتكافح النساء النازحات واسرهن من اجل البقاء، ومواجهة تحديات سوء التغذية، والامراض الاخرى التي تصيب اطفالهن. هو صراع اخر يعشنه بشكل يومي، الامر الذي يتطلب مساعدتهن وتقديم الادوية والخدمات الضرورية لهن.

وعلى الرغم من قيام بعض المنظمات الاغاثية من وقت لاخر بتوفير مياه للشرب الى مخيمات النزوح في عدن، عبر خزانات عامة، غير أنها لا تخلو من المشاكل الصحية. وتضطر الأسرة إلى أن تتشارك المياه مع بقية النازحين، كما تتشارك الأسرة مع جيرانها من النازحين حمامات المخيم، رغم عدم صلاحيتها للاستخدام إلا اضطراريًا، وفق ما اكددته ام عصام وعدد من النساء النازحات في المخيم.

 

صراع من نوع آخر

أكثر من 150 ألف نازح في مخيمات عدن، أكثر نصف هذا العدد هنّ نساء نازحات -بحسب تقارير الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين- يواجهنّ وحدهنّ تبعات العيش والحياة في مخيماتٍ تفتقر لأبسط الخدمات، ويتحملنّ وحدهنّ مواجهة الأمراض والأوبئة التي تفتك بهنّ وبأطفالهنّ.

وفي الوقت الذي لا تمتلك الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين إحصائيات دقيقة عن عدد النساء النازحات المصابات بالأوبئة، إلا أن مدير الوحدة الدكتور سالم سريع يكشف أن أبرز الأمراض التي يُصاب بها الأطفال والنساء هناك هي الحميات والإسهال، وسوء التغذية، بدرجة أساسية، ثم تأتي أمراض أخرى بدرجة أقل.

وأرجع الدكتور سريع أسباب انتشار تلك الأوبئة إلى انعدام المياه الصالحة للشرب والاستخدام بشكل عام، بالإضافة إلى سلوكيات خاطئة في خزن المياه وحفظها، وتفشي المجاري ومياه الصرف الصحي العادمة داخل أروقة وأزقة المخيمات، بالإضافة إلى ضعف المساعدات الغذائية للأسر النازحة.

وعلى وجه التفصيل، يوضح الطبيب في مستوصف نبض الحياة بعدن، الدكتور شلال اليافعي، أن أبرز الأوبئة التي تصاب بها النازحات والأطفال في مخيمات النزوح هي حمى الضنك، بالإضافة إلى الملاريا التي تطال نطاق واسع من النازحين؛ نتيجة طفح المجاري إلى داخل المخيمات.

وشدد الدكتور شلال على ضرورة رفع مستوى الرعاية الصحية داخل مخيمات النزوح بعدن، من قبل الجهات الحكومية والمنظمات الاغاثية، محذرا من خطورة التساهل ازاء انتشار الاوبئة دون اجراءات فعلية للتصدي لها.

من جانبه، قال رئيس لجنة الإغاثة في مديرية البريقة بعدن (حكومية)، جمال أحمد ناجي، إن ازدحام المخيمات بالنازحين، بالإضافة إلى افتقار أغلبها لأساسيات الخدمات وعلى رأسها المياه، وغياب الرعاية الصحية اللازمة؛ تسبب بالإصابة بتلك الأمراض التي تفتك بدرجة أعلى بالأطفال، والفتيات.

 

داعيا المنظمات الإغاثية الدولية والأممية إلى تكثيف تدخلاتها في المخيمات، وتعزيز مشاريعها الصحية، وتوفير مياه صالحة للاستخدام والشرب، خصوصا في ظل عجز السلطات الحكومية نظرا لانعدام الإمكانيات.

تقارن أسرة (أم عصام) حياتها في الحديدة ما قبل الحرب والنزوح، بحياتها في مخيمات النازحين داخل عدن حاليا، وتشير إلى أن الحياة الأولى في مناطقهم كانت خالية من الأمراض، وكانت حياتهم بسيطة وغير مكلفة، على العكس تمامًا من حياة النزوح، الممزوجة بالمرض والالم.

(أم عصام) تحلم بأن تتوقف الحرب حتى تستطيع وأسرتها العودة إلى منطقتها في الحديدة، وحتى ذلك الحين تمنت أن تلتفت إليهم الجهات الحكومية والمنظمات الداعمة، بتوفير احتياجات المخيمات، وعلى رأسها المياه تجنبًا لتفاقم الحالة الصحية لأطفالها، الذين لم تعد تملك سواهم في هذه الحياة بعد ان سلبها الحرب كل شيء.