حوار التوطيبن

عائشة ثواب.. قصة العقبات التي صنعت امرأة قوية

post-img

محلية (خاص)

بدأت عائشة ثواب رئيسة منظمة عبس التنموية، نشاطها المدني/ المجتمعي في العام ١٩٩٠. في عمر ١٤ سنة. كانت حينها في الصف الثالث الاعدادي (التاسع)، فأطلقت مع زميلات لها، مبادرة لمحو أمية النساء. لم يكن الأمر سهلا في واقع متخلف، لكن اصرارها كان أكبر من كل العقبات التي اعترضتها، لتصبح اليوم، واحدة من أكثر القيادات النسوية عطاء وتأثيرا.

تنحدر ثواب من مديرية عبس التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب اليمن) والواقعة ضمن اقليم تهامة. وتقول ان قضيتها الرئيسية هي العدالة الاجتماعية، وان مبعث ذلك هو معاناة أبناء تهامة وتهميش حقوقهم وممارسة كثير من الظلم عليهم.

اختارت منظمة عبس أن تركز على المرأة والطفل، لكونهم من الفئات الضعيفة في المجتمع، ومن واقع معايشة، حيث تواجه النساء الكثير من الظلم والاقصاء، ويعاني الأطفال من الأمراض، ترى ثواب أن تأهيل وتمكين المرأة، من شانه أن ينتج مجتمع أفضل، وأن الاهتمام بالأطفال هو الاهتمام بالمستقبل. وأن الاعتناء بهاتين الفئتين هو المدخل الحقيقي لتحقيق التنمية المستدامة وبناء الدولة المدنية التي تحترم حقوق جميع الفئات.

البدايات والعقبات

كانت البداية من خلال منظمة تبحث عن متبرعات للعمل ضمن مبادرة تعمل على محو الامية بين النساء. انظمت عائشة للمبادرة وتأثرت بالمدربة اللبنانية وتعلمت منها الكثير في مجال التطوع. وسرعان ما بدأت تعمل مع 5 من زميلاتها على تأسيس مبادرة في محو أمية النساء في مجتمعها.

حاولت عائشة ان تستهدف النساء الاتي يعانين من التهميش والاقصاء ويحرمن من حقوقهن. لكن عمل عائشة لم يكن سهلا. فقد واجهت الكثير من العقبات.

تقول، أنها أول ما أطلقت المبادرة، في منطقة نائية لا يوجد فيها مبادرات بالمطلق ما بالك بمبادرة نسائية، فإنها واجهت كثير من الرفض والممانعة من قبل محيطها الاجتماعي، بل وحتى من الجهات الحكومية الرسمية. حيث إن مكتب التربية والتعليم وادارة محو الأمية، لم يكونوا موافقين على المبادرة، ومنعوها من استخدام الفصول الدراسية في المدارس الحكومية.

فما كان من عائشة وزميلاتها إلا أن قمن، وبمساعدة النسوة التواقات الى التعلم، ببناء فصول دراسية من العشش وتوفير ما أمكن من متطلبات الدراسة (سبورة وطباشير وبعض الكتب والدفاتر)، وخلال شهرين فقط تمكنت المبادرة من تعليم النساء الملتحقات بهذه الفصول، القراءة والكتابة.

هنا استثير الجميع، جهات حكومية ووجاهات اجتماعية. خافوا من تعليم النساء، لأن ذلك سيجعلهن يكتسبن معرفة بحقوقهن ومن ثمة قدرة على الدفاع عنها. كان جو التخلف السائد في مناطق مديرية عبس النائية هو من يتحكم بالجميع، بينما كان عنوان المبادرة الضمني هو أن التعليم مقدمة ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية وصون حقوق المرأة.

بدأت الاشاعات تنال من المبادرة. قيل انها تهدف للتبشير بالمسيحية، وأنها مدعومة من جهات خارجية، واشاعات أخرى أرادت للمبادرة ان توقف نشاطها. ثم وقف الجميع في وجهها، بما في ذلك المكاتب التنفيذية التابعة للدولة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك من قام بتفجير واحراق هذه الفصول التي هي عبارة عن عشش، لمنع المبادرة من مواصلة نشاطها.

تأخذ عائشة نفس عميق، ثم تضيف، بأن المعاناة في البدايات لا يمكن سردها في لقاء عابر، وربما تستحق ان تؤلف حولها الكتب. فقد اتهمت وزميلاتها، بكل التهم التي يمكن تخيلها، بما في ذلك - وهذا ربما يتجاوز الخيال - أنهن يعملن على تفجير السيارات، وقد وصلن الى ادارة الأمن يحملن كل هذه التهم.

تقول عائشة "لولا الوالد (رحمه الله) لكان الحال غير هذا الحال" فقد كان والدها يساندها في كل خطوة، ويقف أمام أي محاولة اساءة او انتهاك، كأن يتم سجنهن وهو ما كاد أن يحدث، ومع هذه المواقف المتكررة، بدأ الأهل ايضا في تشجيعهن، وكذلك كان للنساء التي تستهدفهن المبادرة مواقف شجاعة.

هؤلاء جميعا، هم من جعلوا عائشة ثواب وزميلاتها يواصلن عمل المبادرة التي تمكنت خلال خمسة أعوام فقط، من محو أمية 12 ألف امرأة، ثم تحويل المبادرة إلى مؤسسة عبس التي ستأخذ الى جانب قضية التعليم هموم أخرى كالتوعية الصحية والأطفال. بل يمكن القول ان التغلب على عقبات البداية كان هو العامل الرئيسي في أن تستمر عائشة في نشاطها حتى اليوم وتساهم في تنمية مجتمعها في مديرية عبس ومديريات تهامة في محافظتي حجة والحديدة، قبل ان يمتد نشاطها إلى عدد من المحافظات اليمنية.

تحولات وانجازات

النسوة اللاتي أصبح بوسعهن القراءة والكتابة، بتن قادرات على قراءة الصحف وروشتات العلاج وقراءة القران، وبات لديهن ثقة عالية بأنفسهن، ومنهن من واصلن تعليمهن، وتخرجن من الثانوية والتحقن بالجامعة. وكان هذا دافعا لعائشة في ان تستمر في عملها المدني خلال المراحل اللاحقة.

فبعد اكمالها الثانوية، التحقت عائشة بدورها بالدراسة الجامعية، في كلية الطب البشري، وهناك عرفت عن قانون الجمعيات، وانه يحق لها وزميلاتها تطوير مبادرتهن لتأخذ شكل جمعية نسوية، وهو ما حدث بدءا من العام 1996، عندما تأسست جمعية عبس النسوية.

عملت الجمعية في سنواتها الثلاث الأولى، في نطاق مديرية عبس في محافظة حجة، على استمرار محو أمية النساء، وايضا القيام بحملات التوعية الصحية، ومن وقت لأخر تقديم بعض المساعدات للأسر المحتاجة. ثم تطورت الجمعية لتأخذ شكل منظمة غير حكومية، تحت أسم منظمة عبس التنموية ووسعت انشطتها لتغطي 14 مديرية ضمن محافظتي حجة والحديدة.

في العام 2011، تعدل أسم المنظمة ليصبح منظمة عبس التنموية للمرأة والطفل، ليتوسع نشاط المنظمة ويشمل 6 محافظات يمنية، وهي الحديدة، حجة، ريمة، المحويت، صعدة، وبدأت بتنفيذ العديد من البرامج، في مجالات مختلفة، في الصحة والتغذية والحماية والتعليم، وأصبح الهم الكبير للمنظمة هو تقديم كل مساعدة ممكنة للنساء والأطفال.

مع اندلاع الحرب في اليمن في العام 2015، كان لابد لمنظمة عبس التنموية للمرأة والطفل، أن تساهم في التخفيف من حدة الأزمة الانسانية، بالاستفادة من الخبرات التي راكمتها طوال سنوات، كونها واحدة من أقدم المنظمات غير الحكومية في اليمن، لهذا عملت في مجال تقديم الاغاثة، وأصبح لديها فرق عمل في معظم محافظات اليمن. وهي اليوم منخرطة في تسعة برامج، تشمل مجالات، التمكين والحماية والتعليم بالإضافة الى صحة المرأة والطفل، والاصحاح، والامن الغذائي، والمأوى. لتصبح منظمة عبس واحدة من المنظمات الرائدة والتي تستفيد من خبراتها المنظمات المحلية وحتى الدولية.

لدى منظمة عبس اليوم أشياء كثيرة تفاخر بها، منها مثلا، أنه أصبح في رصيدها نحو 7 مليون مستفيد/ة، فقد مكنت ألاف النساء والفتيات، وقامت ببناء المدارس والوحدات الصحية، وتأهيل المستشفيات والطرق، وغيرها من المشاريع التنموية. كتدريب وبناء قدرات وتمكين ألاف النساء في مجال ريادة الأعمال، وغيرها من الانجازات التي هدفت الى تمكين النساء اقتصاديا وتمكين المرأة من التعبير عن قدراتها وحماية حقوقها وايضا ضمان صحة أفضل للأطفال.

 شبكة المنظمات النسوية

خلال كل هذه السنوات، باتت حياة عائشة ثواب تتقاطع مع حياة منظمة عبس على النحو الذي يصعب التفريق بينهما، "ممكن تقول انها وجهين لعملة واحدة، لا فرق بين حياتي وحياة منظمة عبس". وهي سعيدة بهذا التماهي، فمن خلاله حققت ذاتها، وبنت رصيد جعل منها شخصية ملهمة لكثير من النساء والشابات في بداية مسيرتهن في النشاط المدني.

لكن طموح عائشة لا يتوقف عند هذا الحد، فهي تسعى إلى أن تتكامل الأدوار، بالذات بين النساء، وذلك حتى يحدث التحول الذي تنشده في بنية المجتمع اليمني، لصالح العدالة الاجتماعية وصون حقوق المرأة والطفل.

من هذا المنطلق، تنخرط منظمة عبس، بفاعلية ضمن شبكة قيادة للمنظمات النسائية في اليمن، وهي الشبكة التي جرى تأسيسها مؤخرا، بالشراكة مع منظمة إطار للتنمية الاجتماعية، وتقوم فكرتها على مناهضة ما تقول انه استمرار في تهميش المنظمات غير الحكومية التي تقودها النساء، لكن أيضا من أجل توحيد الجهود في مناصرة قضايا المرأة وتقوية المجتمع المدني.

بهذا الصدد، بدأت هذه الشبكة تعمل ضمن مبادرة توطين العمل الانساني، مع باقي المنظمات والشبكات المحلية بهدف خلق علاقة تبادلية ومتكافئة بين المنظمات الدولية والمنظمات المحلية.

 ترى عائشة ان شبكة المنظمات النسوية تختلف عن غيرها من الشبكات والائتلافات السابقة التي تختفي بمجرد الاعلان عنها، وترجع ذلك إلى كون المجتمع المدني لم يع بعد دوره وبأن نشاطه قائم على التكامل وليس المنافسة. وهذا شيء تقول الشبكة الجديدة تعيه جيدا، إضافة إلى كونها تجمع منظمات ذات خبرة كبيرة تقودها نساء مؤمنة بالعمل الجماعي وتسعى فعلا لتقديم قيمة مضافة في مجال العمل الانساني وفي العمل على القضايا النسوية.

 بالطبع لا يوجد ضمانات لنجاح هذه الشبكة، هذا ما قالته عائشة، ولكنها تجد أن هناك كثير من الأمل، منبعه أن هناك نشاط حقيقي ورغبة واضحة لدى المنظمات التي تقودها النساء في العمل معا، إلى جانب ما تعتقد انه جزء من متطلبات واقع اليوم. فالعمل الجماعي فرص ازدهاره أكبر من العمل الفردي، وبالنتيجة فإن تأثيره أقوى.

في ختام اللقاء الذي جرى تنظيمه عن بعد للتعرف على قصة عائشة ثواب، طلبنا منها، أن توجه نصيحة للشابات المنخرطات في العمل المدني حديثا وللنساء القياديات عموما، فكان ردها: "نصيحتي للشابات والنساء القياديات هو التركيز القوي على مناصرة الصوت الجماعي. على مناصرة القضية العامة للنساء. فهذه القضية بانتصارها سننتصر جميعا".